الخطبة الأولى
الحمد لله، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه حق قدره
ومقداره العظيم.
أما بعد:
من أول العهد الأخوة. فالأخوة هي المبدأ لكل
بناء، وهي الأصل لكل فعل، وهي السبب لكل مجد، وهي الشرف لكل إقدام. فبلا أخوة فلا
نتيجة، وبلا أخوة فلا تكوين. وبدأ الله العهد الأول بذلك عندما دعي الناس إلى الله
دعوا بهذا المعنى، ولم تذكر نبوتهم نوح
ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله واتبعون. "وفى عهد آخر:
كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود إلا تتقون. إني لكم رسول أمين فاتقوا الله
واتبعون." "كذبت ثمود إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إنى لكم رسول
أمين فاتقوا الله واتبعون."
فهذه الكلمة التي جذبت قلوب الناس إلى الناس
إلى الإسلام وجمع الناس بالرسالة بلفظ الأخوة ولم يقب "إنى رسول" فى
بادئ الأمر وإنما آنسهم بالأخوة. فالأخوة أنس وراحة وطمأنينة وهدوء، وهنا يبدأ
أمر. ويذكرهم أن الأخ لا يخون، "إنى لكم رسول أمين"، فترتبت الأمانة على
الأخوة، وهذا أمر لا ينفصم ولا يتغير. فالأخ محب والمحب لا يكره، والأخ أمين
والأمين لا يخون. والأخ يعمل، يعمل لإخوانه ويحقق لهم الأمل ويسير بهم إلى كل طريق
وإلى كل الحياة.
وجاء الإسلام، والإسلام على سنة السابقين لم
يكن بدعا من الأمر وإنما هو مصدق لكل التشريع والمعاني، ولكل الأخلاق والآداب ولكل
ما تحبه البشرية وما تأمله. جاء الإسلام فبدأ العهد بالأخوة، مدينة رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ينطلق منها الإسلام، والإسلام لا ينطلق من أعداء لأنفسهم ولا من قوم
بينهم شحناء ولا تنازع. فالفشل من أول الأمر إذا كان كذلك، بل قهرت النفوس من الغل
وصفت الأرواح. وهنا انطلقت الأمة إلى آفاق الأرض انطلاقا لا حدود له وتحقق المراد
ونشأ كل الخير. ويذكرنا الله بذلك: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا،
فاذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك بين الله لكم آياته لعلكم تهتدون."
وبعد:
الأخوة بين اثنين هي حلقة لأخوة الأمة كلها
أثر فعال ورد جميل على النفوس حتى تعود إلى مبدئها الأول وإلى بدايتها الكريمة.
ومعي فى قول الله تبارك وتعالى فى نتيجة الأخوة: "قال رب اشرح لى سدري ويسر
لى أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولى واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخي اشدد به
أزري وأشركه فى أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا."
فالأخوة قوة ومنعة ، ويؤيد الله من بدأ بذلك.
ومن هنا تكون كل الأعمال على خير، يهابنا أعداؤنا وينظرون غلينا نظرة جادة، بيننا
الإسلام، فربنا واحد ونبينا واحد لا فرقة بينانا. فنحن فى أخوة عقيدة. تتماسك
العقول وتتظافر القلوب، والأيدي لا تنفصم. هي الخطوات الأولى لكل أمر ولكل عمل.
نحن أمة رضينا بالله تعالى ربا وبالأسلام دينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
نبيا ورسولا، لا يخضعنا أحد ولا يذلنا مذل، فعزتنا بالله لأننا على قلب رجل واحد.
أ/ا إذا خرجنا عن هذه العزة إلى العزة بغيره دب الشقاق ودخل الهوى. والهوى إذا دخل
فى النفوس حطمها وحطم البلاد والعباد، بل أفسد الأرض كلها، بل السماء بأبعادها،
"ول اتبع الحق أواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن."
إذن، الأخوة حق، التفرق باطل، الأخوة صدق،
التفرق هوى وكذب، الأخوة علو والتفرق حطة، الأخوة نور والتفرق ظلمة، الأخوة حب
والتفرق كره، الأخوة وئام والتفرق قلق واضطراب.
أيها المسلمون:
هناك آية، هي غايتنا وفعلنا وقولنا وهدفنا:
"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم." إذن بدأت
الرحمة وعاد الوئام، وعلم الناس أن الحق فى ذلك فرجعوا إليه. وهنا نجد إشراقة
الأمل فى كل بقاع أرض الإسلام، يتطلع الناس إلى هذا التقارب وينظرون إلى حكامهم
نظرة جادة. هكذا تكون القيادة وهكذا يبدأ أولو الأمر بالسعي إلى بعضهم، فحبهم يعود
على أوطانهم وبغضاؤهم تعود على بلادهم، فنحن شعب لا نحب الكره ولا نحب التفرق.
فهذا سعي كريم نجد أثره فى هذه الأيام حتى تعود إلينا عزتنا وما غابت عنا عزتنا إلا
بغيابنا عن إسلامنا، فيعود الأمران، تعود العزة بقوة حكمة وبحكمة قلوب الحكام
الكرماء، ويعود الإسلام، فما تفرق الناس إلا ببعدهم عن دينهم وحل الهوىفحدث الشتات
وكان التنازع فتحقق الفشل: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله
مع الصابرين."
يقول أسعد الخلق صلى الله عليه وسلم:
"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهم بعضا." ويقول صلوات الله وسلامه
عليه: "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى." فكنا فى سهر وكنا فى حمى
وتأمل فى الشفاء، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه.
عباد الله، أقول قولى هذا واستغفر الله فى
ولكم ولنتب إلى الله جميعا. أو كما قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر. وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك
عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين. أما بعد:
هذا اجتماع كريم، واجتماع يكون به الخير ومنه
الخير. فما كان اجتماع فى بيت من بيوت الله إلا وكانت هناك رحمة وهناك ذكر فى
الملأ الأعلى بهذا الاجتماع، لأنه فى بيت من بيوت الله، ونحن ضيوف على خالقنا، وحق
على صاحب البيت أن يكرم ضيوفه. فمرحبا بكم فى هذا المكان الطاهر العتيق وفى هذا
المعهد العريق. مرحبا بك يا سيادة الوزير ومعك أخوك قبل أن يكون مضيفك، كان مع هذا
المعهد فى كل مواقفه ومراحل صعوبته فثبت جوهر أخوتهم. ومن هنا تبدأ بهذه القلوب
الطاهرة، ونحن فى بيت الله، نأمل ونفرح ونحب أن يدوم ذلك. وما نقبل عليه من اجتماع
الحكام هو خير لكل البلاد ونسأل الله تعالى أن يجعله احتماعا مرحوما، وأن يجعل
قلوبهم سابقة لأبدانهم، وإن شاء الله ننتظر الخير الكثير.
يأ أحباب الإسلام/ هنيئا لنا فى يومنا هذا،
فهو يوم الجمعة، اجتمعنا فيه على الخير ونخرج منه إلى الخير. وهكذا تضبط أعمالنا
بصلاتنا ونربط أخلاقنا بعبادتنا ونربط أخوتنا بديننا. وبهذا نذكر حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لن يدخل أحدكم الجنة حتى تؤمنوا ولو تؤمنوا
حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم
ربنا اغفرلنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت
أقدامنا وانصرنا عل القوم الكافرين.
اللهم أرنا الحق حقا فنتبعه وأرنا الباطل
باطلا فنجتنبه برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارزقنا من الخير كله ما نعلمه وما لا
نعلمه وما أنت به أعلم يا رب العالمين.
الله اجمع حكامنا عليك. اللهم اجعل كلمتهم من
أجلك. الله حقق بهم الأمل فى سبيلك اللهم متعنا باساعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما
أحييتنا واجلعه الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على أعدائنا كما
نسألك يا الله أن لا تحرمنا من هذا الإشراق دواما، فقد ذقنا مرارة التفرق والكره
كثيرا يا رب العالمين.
اللهم اجمعهم عل دينك فى كل أمر يأتمرون به
وفى كل نهي ينهون عنه.
اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، وتقبل
منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان
وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون أقم الصلاة!